تاريخ قبيلة شراردة
تاريخ قبيلة شراردة بقلم الاستاذ خالد غاوش
تنحدر قبيلة شراردة في
جزء كبير منها من قبائل معقل العربية، استقرت منذ القرن (17م) في حوز مراكش في
محيط زاوية الشرادي. ثم نقلوا من طرف المخزن على عهد الدولة العلوية كقواد للجيش
إلى منطقة الغرب خاصة إقليم سيدي قاسم الحالي، تتكون من مجموعة من القبائل أولاد
دليم- الشبانات- زيرارة- الثكنة-أولاد دريس ذوي بلال.
إن التنظيم المجالي لشراردة يبرز تميزا كبيرا عن باقي التجمعات القبلية الأخرى في الغرب نظرا لميزتهم كقبائل جيش، وأيضا نظرا للظروف التي نقلوا فيها من حوز مراكش عبر مكناس وصولا إلى "الأزغار" واستقرارهم به، فقد كان عليهم أن يجدوا مكانا يستجيب لحاجياتهم وللفروع المختلفة التي تتكون منها القبيلة. فكيف إذا يتحدد هذا المجال في المنطقة؟ وما هي الخصوصيات التاريخية لهذه القبيلة؟
إن التنظيم المجالي لشراردة يبرز تميزا كبيرا عن باقي التجمعات القبلية الأخرى في الغرب نظرا لميزتهم كقبائل جيش، وأيضا نظرا للظروف التي نقلوا فيها من حوز مراكش عبر مكناس وصولا إلى "الأزغار" واستقرارهم به، فقد كان عليهم أن يجدوا مكانا يستجيب لحاجياتهم وللفروع المختلفة التي تتكون منها القبيلة. فكيف إذا يتحدد هذا المجال في المنطقة؟ وما هي الخصوصيات التاريخية لهذه القبيلة؟
1-الاطار الجغرافي لقبيلة الشراردة
إن ضبط الإطار
المجالي لأي قبيلة ما من الصعوبة بمكان نظرا لمجموعة من العوامل السياسية منها
والطبيعية.
فقبيلة شراردة التي هي في هذا الإطار مجال اهتمامنا، لا يمكن تحديد مجالها الجغرافي في منطقة معينة بصفة كلية. فقد كان استقرارها في البداية في حوز مراكش ونتيجة لظروف سياسية تم تهجيرها من طرف المخزن إلى منطقة الغرب في جزئها الشرقي على ضفتي واد الردم بالقرب من سيدي قاسم حيث اختلطت فيما بينها، وباعتبار القبيلة تابعة للمخزن فإنه عندما جاء موسم الحرث، أقرضهم السلطان العلوي بعض الحيوانات كما أعطاهم البذور، فبدأوا أعمالهم الفلاحية، إلا أنهم فيما بعد تفرقوا في المنطقة حيث استقر أولاد دليم في الجنوب عند قدم أوطيطة، من سيدي قاسم إلى مولاي يعقوب. أما زيرارة فاستقروا في الوسط بالقرب من سيدي محمد بن أحمد. والشبانات في الشمال، عند سيدي قادر. وأخيرا أولاد نيير والخنيشات في الشمال الشرقي لجبل حريشة إلى سبو وعلى سفوح تسلفت التي تخلت عنه آيت عمور.
وهكذا وجدت اشراردة نفسها في وضعية بئيسة، محاصرة بين مجموعة من القبائل، حيث يفصلها وادي سبو عن أراضي بني احسن في الغرب، وتحد في أقصى الشمال الغربي ببني مالك، بينما تتصل في الشرق والجنوب الشرقي بأراضي الخلط ومصمودة وكروان. وتتميز بلاد شراردة طبيعيا بشكل تضاريسي يطغى عليها بالمقارنة مع المجال الجغرافي للقبائل الأخرى المعمرة لمنطقة الغرب هذا الشكل المعروف باسم التلال والتي ترتبط ضمنيا بتلال مقدمة جبال الريف.
فقبيلة شراردة التي هي في هذا الإطار مجال اهتمامنا، لا يمكن تحديد مجالها الجغرافي في منطقة معينة بصفة كلية. فقد كان استقرارها في البداية في حوز مراكش ونتيجة لظروف سياسية تم تهجيرها من طرف المخزن إلى منطقة الغرب في جزئها الشرقي على ضفتي واد الردم بالقرب من سيدي قاسم حيث اختلطت فيما بينها، وباعتبار القبيلة تابعة للمخزن فإنه عندما جاء موسم الحرث، أقرضهم السلطان العلوي بعض الحيوانات كما أعطاهم البذور، فبدأوا أعمالهم الفلاحية، إلا أنهم فيما بعد تفرقوا في المنطقة حيث استقر أولاد دليم في الجنوب عند قدم أوطيطة، من سيدي قاسم إلى مولاي يعقوب. أما زيرارة فاستقروا في الوسط بالقرب من سيدي محمد بن أحمد. والشبانات في الشمال، عند سيدي قادر. وأخيرا أولاد نيير والخنيشات في الشمال الشرقي لجبل حريشة إلى سبو وعلى سفوح تسلفت التي تخلت عنه آيت عمور.
وهكذا وجدت اشراردة نفسها في وضعية بئيسة، محاصرة بين مجموعة من القبائل، حيث يفصلها وادي سبو عن أراضي بني احسن في الغرب، وتحد في أقصى الشمال الغربي ببني مالك، بينما تتصل في الشرق والجنوب الشرقي بأراضي الخلط ومصمودة وكروان. وتتميز بلاد شراردة طبيعيا بشكل تضاريسي يطغى عليها بالمقارنة مع المجال الجغرافي للقبائل الأخرى المعمرة لمنطقة الغرب هذا الشكل المعروف باسم التلال والتي ترتبط ضمنيا بتلال مقدمة جبال الريف.
2- الاطار التاريخي لقبيلة الشراردة
النسبية لصعوبة لتي
تواجه الباحث عندما يريد تحديد المجال الجغرافي الحالي لشراردة، فهي تزداد عندما
يرغب في ضبط صيرورتها التاريخية. وفي هذا الصدد فقد اعتمدنا لاستقاء معلوماتنا عن
هذه القبيلة على أقلام المؤرخين الأجانب، إذ جند الاستعمار علما كبيرا لدراسة
القبائل في ماضيها وحاضرها لوضع تقسيم إداري استعماري يراعي التجمعات القبلية.
فشراردة تنحدر من المجموعة الهلالية المستقرة في الجزء الشرقي لمنطقة الغرب. اضطرت
خلال أواسط الفرن (18م) إلى هجرة هذه المنطقة لصالح مجموعة من القبائل التي استقرت
في المنطقة بأمر من السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله. ففي سنة 1765م قام
السلطان بإلحاق هزائم كبيرة بقبائل آيت عمور الثائرة ضد سلطته بتادلة، حيث قام
الجيش بقتل أعداد كبيرة منهم، أما الباقون فتم نقلهم إلى سفوح تلسفت. وهناك أيضا
ستوجه ضدهم مجموعة من الحملات قبل أن يقرر المولى عبد الرحمان سنة 1840م نقلهم إلى
ضواحي مراكش كما أن قبائل كروان اضطرت إلى الانتقال إلى هذه المناطق ما بين سنوات
1780-1782م قبل أن تنال حق الرجوع إلى مناطقهم الجبلية حيث تم تعويضهم بقبائل من
سوس وأولاد نيير والدكيسة التي اضطرت بدورها خلال سنة 1829م إلى ترك مكانها
لشراردة . ونشير إلى أن شراردة نموذج للقبائل الضعيفة والقليلة الأهمية والتي
حولها صدفة التاريخ إلى قبائل صيت ذائع: وقد كانت هذه التسمية تطلق على اسم إحدى
فخذات قبائل زيرارة؛ والتي استقرت خلال القرن 18 عشر في الحوز عند نقطة التقاء واد
نفيس وواد تانسيفت خلال فترة حكم سيدي محمد بن عبد الله، وقد كانت أحد أفراد هذا
التجمع القبلي وهو سيدي أبو العباس الشرادي الذي أصبح مشهورا بورعه وتقواه. والذي
قام ولده بإنشاء الزاوية الشرادية للحوز مراكش حيث أصبح لها أتباع كثر حتى حدود
فاس وكان يستقبل اتباعه بالخصوص في منطقة إقامته. وبذلك أصبحت الشراردة مركز جذب
للقبائل الأخرى حيث تم جمعها تحت سلطة قائد واحد وهو قاسم الشرادي الذي يعود أصله
إلى نفس دوار رئيس الزاوية الشرادية.
وخلال بداية القرن
19 كان اسم الشراردة بذل على القبائل المحيطة بالزاوية الشرادية وتظم قبائل شبانة
-زيرارة- أولاد دليم وثكنة وأولاد إدريس وأخيرا دوي بلال. وقد أقلق إشعاع الزاوية
وما آلت إليه أمور السلطة في الحوز المولى سليمان مما دفعه للقيام بحملة عسكرية
انتهت بالفشل حيث ثم أسره سنة 1820.
وقد قام خليفة المولى عبد الرحمان بحملة عسكرية أخرى ساهم فيها بشكل كبير قبيلتي سفيان وبني مالك، وانتهت بسيطرة على الزاوية الشرادية بل وتخريبها: إلا أنه من سوء حظ قبيلة سفيان أن تم نقل شظايا من الشراردة وتوطينها بأرض كانت لسفيان (منطقة سيدي قاسم).
وبعد أن كللت حملته بالنجاح. نقل السلطان ستمائة أسير إلى كل من الرباط ومكناس وفاس أما باقي أفراد قبيلة الشراردة فقد تفرقوا على القبائل المجاورة، إلا أن السلطان منحهم الأمان، حيث جمعهم وقام فيما بعد بتفريقهم وتوزيعهم. حيث نقل جزء كبير من الثوار إلى المناطق المجاورة لمكناس خاصة شبانة وزيرارة ونصف أولاد دليم، فضمهم إلى جيش البخاري لكنهم لم يتقبلوا فبقوا تحت سلطة قادة من أبناء العبيد؛ فان رد فعلهم أن قاموا بالسطو على بعض الحدائق بمكناس مما دفع السلطان إلى تنظيمهم في جيش مستقل نقله إلى "الأزغار" ومن هنا كانت انطلاقتهم الفعلية في منطقة الغرب كواحدة من أكبر القبائل المساندة للمخزن خلال القرن 19.
وقد قام خليفة المولى عبد الرحمان بحملة عسكرية أخرى ساهم فيها بشكل كبير قبيلتي سفيان وبني مالك، وانتهت بسيطرة على الزاوية الشرادية بل وتخريبها: إلا أنه من سوء حظ قبيلة سفيان أن تم نقل شظايا من الشراردة وتوطينها بأرض كانت لسفيان (منطقة سيدي قاسم).
وبعد أن كللت حملته بالنجاح. نقل السلطان ستمائة أسير إلى كل من الرباط ومكناس وفاس أما باقي أفراد قبيلة الشراردة فقد تفرقوا على القبائل المجاورة، إلا أن السلطان منحهم الأمان، حيث جمعهم وقام فيما بعد بتفريقهم وتوزيعهم. حيث نقل جزء كبير من الثوار إلى المناطق المجاورة لمكناس خاصة شبانة وزيرارة ونصف أولاد دليم، فضمهم إلى جيش البخاري لكنهم لم يتقبلوا فبقوا تحت سلطة قادة من أبناء العبيد؛ فان رد فعلهم أن قاموا بالسطو على بعض الحدائق بمكناس مما دفع السلطان إلى تنظيمهم في جيش مستقل نقله إلى "الأزغار" ومن هنا كانت انطلاقتهم الفعلية في منطقة الغرب كواحدة من أكبر القبائل المساندة للمخزن خلال القرن 19.
هذه الأحداث تمت خلال سنة 1244هـ الموافق 1829م / 1828م. وبعد 15 سنة من هذا التاريخ منحهم السلطان جزء من ثكنة وفي نفس الوقت تم نقل أولاد إدريس وذوي منية إلى مشارف فاس؛ أما باقي ثكنة وأولاد دليم فقد ظلت بمراكش حيث ألحقها المولى الحسن بجيش الحوز وهكذا فيمكننا أن نميز بين ثلاث تجمعات لشراردة:1أهل أزغار على ضفاف واد الرطم؛- سكان بوغزوان بفاس؛
3- الجبيلات بالحوز.-
إن الجزء الأكبر من
الساكنة التي تم تجميعها بالحوز تحت اسم الشراردة كان أصلها كما ذكر سالفا من
قبائل معقل العربية لكن فيما بعد أصبح اسم اشراردة يدل على تلك القبائل المستقرة
بأزغار: أي بمعنى قبائل شبانة وزيرارة من جهة، وأولاد دليم وثكنة من جهة أخرى؛
والتي تعود أصولها إلى شبانة وذوي حسان؛ والتي بدورها يتم إرجاع أصولها ،إلى معقل.وقد توفروا خلال هجرتهم من
الصحراء إلى الحوز على ثروات مهمة. إلا أن قبائل شبانة وزيرارة اختفت كقبائل مكونة
من الحوز و سوس و الصحراء لكن في المنطقتين الأخيرتين نجد اسما لفخذات أو دواوير
مشابهة لتلك الموجودة بأزغار.لكن أولاد ذليم المستقرة في الحوز بين واد تنسيفت
والجبيلات ؛حافظت على اسمها كما أن أحد أفرادها حضي بالحفاوة خلال إحدى أسفاره من
طرف القائد السيد منصور، بتسلفات والذي سأله "لماذا أنادي عليكم بشراردة
وأنتم أولاد دليم؟"يتضح إذن من خلال جردنا لتطور المسر التاريخي لقبيلة الشراردة، انطلاقا من موطنها الأول الحوز وصولا إلى استقرارها بمنطقة الغرب أن سلسلة الحملات العسكرية وغيرها التي تعرضت لها من طرف سلاطين الدولة العلوية وما رافقها من هجرات قسرية وتشتت أثر على وحدة وتجانس القبيلة. وجعلها كما قلنا سالفا في وضعية بئيسة محاصرة بين مجموعة من القبائل. ويخضعون في نفس الوقت لقائد غريب عنهم عينه المخزن والذي لم يكن يهتم إلا بإخضاعهم، مما دفع مجموعة منهم إلى العودة إلى مراكش بشكل سري. وقد كان من بين العائدين أحد زعماء القبيلة الشيخ السيد المهدي، زعيم الثوار والذي طلب فيما بعد عفو السلطان حيث استعاد مقاليد السلطة و أعاد تنظيم القبيلة في الجنوب و تكوين ثروتهم ،كما أعاد أيضا بعض اشراردة إلى الحوز من أجل تقوية جيشه، واتخذ موقفا معاديا للقبائل المجاورة. كما أن مجيء ثكنة الذين استقروا سنة 1815م على سفوح جبل حريشة زاد من تقوية القبيلة. زمن هنا كانت نقطة تحول قبيلة من مرحلة الضعف والتشتت إلى مرحلة الوحدة والقوة، سواء بالحوز أو الغرب: ففي المنطقة الأخيرة اضطرت بني احسن إلى القبول خط الحدود البعيدة عن واد الرطم. وفي الجنوب تم إبعاد قبائل كروان، إلى ضفاف واد كرومان. كما أرسل السيد المهدي على موافقة السلطان، من أجل استقرار أولاد نيير والخنيشات إلى بين الويدان بين سبو وورغة.
بواسطة حركة التوسع هذه في كل الاتجاهات، وبالخصوص نحو الشمال الشرقي أي في اتجاه تسلفات، تمكنت اشراردة من مضاعفة المجال الذي منح لهم، هذا بالرغم من أن مجموعة من العناصر من غير الجيش، استطاعت الاستقرار في بلاد اشراردة. بعد أن سيطروا على الأراضي المجاورة لهم، لم يبقى أمام اشراردة سوى توزيع جديد لهذه الأراضي حيث الفروع الأربعة للقبيلة. هذا التقسيم الثالث تم سنة 1890م، الأول تم عند استقرارهم والثاني عند قدوم ثكنة، والمواقع التي منحت للقبائل تشبه الوضعية الحالية بشكل كبير.
وبالجملة فإنه بسبب عدم التجانس الإثني ووحدة القيادة فإن تجانس القبيلة كان يضمنه كونها قبيلة جيش وهي ميزة ميزتها عن غيرها من القبائل الأخرى، كما ميزت أيضا نظامها العقاري نظرا لتكوينها من الجيش. فاشراردة عند استقرارها بالأزغار كان عليها أن تقدم خدمات عسكرية للمخزن، إذ كان عليها أن توفر للسلطان 1400 جندي، 120 من الرماة، 350 فارس و 400 "مسخرين": وهم عبارة عن حرس للسلطان.
هذه القوات كانت موضوعة تحت سلطة قائد الرحى، وكان انضمام هذه الأعداد يتم ضمن الجماعة، حيث كانت كل واحدة توفر عدد محدد من الجنود، مقابل هذه الخدمات العسكرية؛ كانت القبيلة تستفيد من الأراضي حيث أن أي رجل متزوج قادر على حمل السلاح، كان له الحق في قطعة أرض (مخزني) مساحتها 800هـ، وكان ذلك سنة 1910م.
إن التنظيم القبلي بمنطقة الغرب بصفة عامة؛ كان يتم على أساس إثني وليس على أساس مجالي، إن تناغم أي مجموعة لم يكن يعتمد على احتلال مجال معين ولكن إلى انتمائها وأيضا على طاعتها للقائد ووحدة القيادة، كانت تعبر عنها بأداء الضريبة لشيخ معين تابعا لقائد معين.زء كبير منها من قبائل معقل العربية، استقرت منذ القرن (17م) في حوز مراكش في محيط زاوية الشرادي. ثم نقلوا من طرف المخزن على عهد الدولة العلوية كقواد للجيش إلى منطقة الغرب خاصة إقليم سيدي قاسم الحالي، تتكون من مجموعة من القبائل أولاد دليم- الشبانات- زيرارة- الثكنة-أولاد دريس ذوي بلال.
إن التنظيم المجالي لشراردة يبرز تميزا كبيرا عن باقي التجمعات القبلية الأخرى في الغرب نظرا لميزتهم كقبائل جيش، وأيضا نظرا للظروف التي نقلوا فيها من حوز مراكش عبر مكناس وصولا إلى "الأزغار" واستقرارهم به، فقد كان عليهم أن يجدوا مكانا يستجيب لحاجياتهم وللفروع المختلفة التي تتكون منها القبيلة. فكيف إذا يتحدد هذا المجال في المنطقة؟ وما هي الخصوصيات التاريخية لهذه القبيلة؟
-1 الإطار الجغرافي لقبيلة شراردة
إن ضبط الإطار المجالي لأي قبيلة ما من الصعوبة بمكان نظرا لمجموعة من العوامل السياسية منها والطبيعية.
فقبيلة شراردة التي هي في هذا الإطار مجال اهتمامنا، لا يمكن تحديد مجالها الجغرافي في منطقة معينة بصفة كلية. فقد كان استقرارها في البداية في حوز مراكش ونتيجة لظروف سياسية تم تهجيرها من طرف المخزن إلى منطقة الغرب في جزئها الشرقي على ضفتي واد الردم بالقرب من سيدي قاسم حيث اختلطت فيما بينها، وباعتبار القبيلة تابعة للمخزن فإنه عندما جاء موسم الحرث، أقرضهم السلطان العلوي بعض الحيوانات كما أعطاهم البذور، فبدأوا أعمالهم الفلاحية، إلا أنهم فيما بعد تفرقوا في المنطقة حيث استقر أولاد دليم في الجنوب عند قدم أوطيطة، من سيدي قاسم إلى مولاي يعقوب. أما زيرارة فاستقروا في الوسط بالقرب من سيدي محمد بن أحمد. والشبانات في الشمال، عند سيدي قادر. وأخيرا أولاد نيير والخنيشات في الشمال الشرقي لجبل حريشة إلى سبو وعلى سفوح تسلفت التي تخلت عنه آيت عمور.
وهكذا وجدت اشراردة نفسها في وضعية بئيسة، محاصرة بين مجموعة من القبائل، حيث يفصلها وادي سبو عن أراضي بني احسن في الغرب، وتحد في أقصى الشمال الغربي ببني مالك، بينما تتصل في الشرق والجنوب الشرقي بأراضي الخلط ومصمودة وكروان. وتتميز بلاد شراردة طبيعيا بشكل تضاريسي يطغى عليها بالمقارنة مع المجال الجغرافي للقبائل الأخرى المعمرة لمنطقة الغرب هذا الشكل المعروف باسم التلال والتي ترتبط ضمنيا بتلال مقدمة جبال الريف.
-2 الإطار التاريخي لقبيلة شراردة:
النسبية لصعوبة لتي تواجه الباحث عندما يريد تحديد المجال الجغرافي الحالي لشراردة، فهي تزداد عندما يرغب في ضبط صيرورتها التاريخية. وفي هذا الصدد فقد اعتمدنا لاستقاء معلوماتنا عن هذه القبيلة على أقلام المؤرخين الأجانب، إذ جند الاستعمار علما كبيرا لدراسة القبائل في ماضيها وحاضرها لوضع تقسيم إداري استعماري يراعي التجمعات القبلية. فشراردة تنحدر من المجموعة الهلالية المستقرة في الجزء الشرقي لمنطقة الغرب. اضطرت خلال أواسط الفرن (18م) إلى هجرة هذه المنطقة لصالح مجموعة من القبائل التي استقرت في المنطقة بأمر من السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله. ففي سنة 1765م قام السلطان بإلحاق هزائم كبيرة بقبائل آيت عمور الثائرة ضد سلطته بتادلة، حيث قام الجيش بقتل أعداد كبيرة منهم، أما الباقون فتم نقلهم إلى سفوح تلسفت. وهناك أيضا ستوجه ضدهم مجموعة من الحملات قبل أن يقرر المولى عبد الرحمان سنة 1840م نقلهم إلى ضواحي مراكش كما أن قبائل كروان اضطرت إلى الانتقال إلى هذه المناطق ما بين سنوات 1780-1782م قبل أن تنال حق الرجوع إلى مناطقهم الجبلية حيث تم تعويضهم بقبائل من سوس وأولاد نيير والدكيسة التي اضطرت بدورها خلال سنة 1829م إلى ترك مكانها لشراردة . ونشير إلى أن شراردة نموذج للقبائل الضعيفة والقليلة الأهمية والتي حولها صدفة التاريخ إلى قبائل صيت ذائع: وقد كانت هذه التسمية تطلق على اسم إحدى فخذات قبائل زيرارة؛ والتي استقرت خلال القرن 18 عشر في الحوز عند نقطة التقاء واد نفيس وواد تانسيفت خلال فترة حكم سيدي محمد بن عبد الله، وقد كانت أحد أفراد هذا التجمع القبلي وهو سيدي أبو العباس الشرادي الذي أصبح مشهورا بورعه وتقواه. والذي قام ولده بإنشاء الزاوية الشرادية للحوز مراكش حيث أصبح لها أتباع كثر حتى حدود فاس وكان يستقبل اتباعه بالخصوص في منطقة إقامته. وبذلك أصبحت الشراردة مركز جذب للقبائل الأخرى حيث تم جمعها تحت سلطة قائد واحد وهو قاسم الشرادي الذي يعود أصله إلى نفس دوار رئيس الزاوية الشرادية.
وخلال بداية القرن 19 كان اسم الشراردة بذل على القبائل المحيطة بالزاوية الشرادية وتظم قبائل شبانة -زيرارة- أولاد دليم وثكنة وأولاد إدريس وأخيرا دوي بلال. وقد أقلق إشعاع الزاوية وما آلت إليه أمور السلطة في الحوز المولى سليمان مما دفعه للقيام بحملة عسكرية انتهت بالفشل حيث ثم أسره سنة 1820.
وقد قام خليفة المولى عبد الرحمان بحملة عسكرية أخرى ساهم فيها بشكل كبير قبيلتي سفيان وبني مالك، وانتهت بسيطرة على الزاوية الشرادية بل وتخريبها: إلا أنه من سوء حظ قبيلة سفيان أن تم نقل شظايا من الشراردة وتوطينها بأرض كانت لسفيان (منطقة سيدي قاسم).
وبعد أن كللت حملته بالنجاح. نقل السلطان ستمائة أسير إلى كل من الرباط ومكناس وفاس أما باقي أفراد قبيلة الشراردة فقد تفرقوا على القبائل المجاورة، إلا أن السلطان منحهم الأمان، حيث جمعهم وقام فيما بعد بتفريقهم وتوزيعهم. حيث نقل جزء كبير من الثوار إلى المناطق المجاورة لمكناس خاصة شبانة وزيرارة ونصف أولاد دليم، فضمهم إلى جيش البخاري لكنهم لم يتقبلوا فبقوا تحت سلطة قادة من أبناء العبيد؛ فان رد فعلهم أن قاموا بالسطو على بعض الحدائق بمكناس مما دفع السلطان إلى تنظيمهم في جيش مستقل نقله إلى "الأزغار" ومن هنا كانت انطلاقتهم الفعلية في منطقة الغرب كواحدة من أكبر القبائل المساندة للمخزن خلال القرن 19.
هذه الأحداث تمت خلال سنة 1244هـ الموافق 1829م / 1828م. وبعد 15 سنة من هذا التاريخ منحهم السلطان جزء من ثكنة وفي نفس الوقت تم نقل أولاد إدريس وذوي منية إلى مشارف فاس؛ أما باقي ثكنة وأولاد دليم فقد ظلت بمراكش حيث ألحقها المولى الحسن بجيش الحوز وهكذا فيمكننا أن نميز بين ثلاث تجمعات لشراردة:
1- أهل أزغار على ضفاف واد الرطم؛
2- سكان بوغزوان بفاس؛
3- الجبيلات بالحوز.
إن الجزء الأكبر من الساكنة التي تم تجميعها بالحوز تحت اسم الشراردة كان أصلها كما ذكر سالفا من قبائل معقل العربية لكن فيما بعد أصبح اسم اشراردة يدل على تلك القبائل المستقرة بأزغار: أي بمعنى قبائل شبانة وزيرارة من جهة، وأولاد دليم وثكنة من جهة أخرى؛ والتي تعود أصولها إلى شبانة وذوي حسان؛ والتي بدورها يتم إرجاع أصولها ،إلى معقل.وقد توفروا خلال هجرتهم من الصحراء إلى الحوز على ثروات مهمة. إلا أن قبائل شبانة وزيرارة اختفت كقبائل مكونة من الحوز و سوس و الصحراء لكن في المنطقتين الأخيرتين نجد اسما لفخذات أو دواوير مشابهة لتلك الموجودة بأزغار.لكن أولاد ذليم المستقرة في الحوز بين واد تنسيفت والجبيلات ؛حافظت على اسمها كما أن أحد أفرادها حضي بالحفاوة خلال إحدى أسفاره من طرف القائد السيد منصور، بتسلفات والذي سأله "لماذا أنادي عليكم بشراردة وأنتم أولاد دليم؟"
يتضح إذن من خلال جردنا لتطور المسر التاريخي لقبيلة الشراردة، انطلاقا من موطنها الأول الحوز وصولا إلى استقرارها بمنطقة الغرب أن سلسلة الحملات العسكرية وغيرها التي تعرضت لها من طرف سلاطين الدولة العلوية وما رافقها من هجرات قسرية وتشتت أثر على وحدة وتجانس القبيلة. وجعلها كما قلنا سالفا في وضعية بئيسة محاصرة بين مجموعة من القبائل. ويخضعون في نفس الوقت لقائد غريب عنهم عينه المخزن والذي لم يكن يهتم إلا بإخضاعهم، مما دفع مجموعة منهم إلى العودة إلى مراكش بشكل سري. وقد كان من بين العائدين أحد زعماء القبيلة الشيخ السيد المهدي، زعيم الثوار والذي طلب فيما بعد عفو السلطان حيث استعاد مقاليد السلطة و أعاد تنظيم القبيلة في الجنوب و تكوين ثروتهم ،كما أعاد أيضا بعض اشراردة إلى الحوز من أجل تقوية جيشه، واتخذ موقفا معاديا للقبائل المجاورة. كما أن مجيء ثكنة الذين استقروا سنة 1815م على سفوح جبل حريشة زاد من تقوية القبيلة. زمن هنا كانت نقطة تحول قبيلة من مرحلة الضعف والتشتت إلى مرحلة الوحدة والقوة، سواء بالحوز أو الغرب: ففي المنطقة الأخيرة اضطرت بني احسن إلى القبول خط الحدود البعيدة عن واد الرطم. وفي الجنوب تم إبعاد قبائل كروان، إلى ضفاف واد كرومان. كما أرسل السيد المهدي على موافقة السلطان، من أجل استقرار أولاد نيير والخنيشات إلى بين الويدان بين سبو وورغة.
بواسطة حركة التوسع هذه في كل الاتجاهات، وبالخصوص نحو الشمال الشرقي أي في اتجاه تسلفات، تمكنت اشراردة من مضاعفة المجال الذي منح لهم، هذا بالرغم من أن مجموعة من العناصر من غير الجيش، استطاعت الاستقرار في بلاد اشراردة. بعد أن سيطروا على الأراضي المجاورة لهم، لم يبقى أمام اشراردة سوى توزيع جديد لهذه الأراضي حيث الفروع الأربعة للقبيلة. هذا التقسيم الثالث تم سنة 1890م، الأول تم عند استقرارهم والثاني عند قدوم ثكنة، والمواقع التي منحت للقبائل تشبه الوضعية الحالية بشكل كبير.
وبالجملة فإنه بسبب عدم التجانس الإثني ووحدة القيادة فإن تجانس القبيلة كان يضمنه كونها قبيلة جيش وهي ميزة ميزتها عن غيرها من القبائل الأخرى، كما ميزت أيضا نظامها العقاري نظرا لتكوينها من الجيش. فاشراردة عند استقرارها بالأزغار كان عليها أن تقدم خدمات عسكرية للمخزن، إذ كان عليها أن توفر للسلطان 1400 جندي، 120 من الرماة، 350 فارس و 400 "مسخرين": وهم عبارة عن حرس للسلطان.
هذه القوات كانت موضوعة تحت سلطة قائد الرحى، وكان انضمام هذه الأعداد يتم ضمن الجماعة، حيث كانت كل واحدة توفر عدد محدد من الجنود، مقابل هذه الخدمات العسكرية؛ كانت القبيلة تستفيد من الأراضي حيث أن أي رجل متزوج قادر على حمل السلاح، كان له الحق في قطعة أرض (مخزني) مساحتها 800هـ، وكان ذلك سنة 1910م.
إن التنظيم القبلي بمنطقة الغرب بصفة عامة؛ كان يتم على أساس إثني وليس على أساس مجالي، إن تناغم أي مجموعة لم يكن يعتمد على احتلال مجال معين ولكن إلى انتمائها وأيضا على طاعتها للقائد ووحدة القيادة، كانت تعبر عنها بأداء الضريبة لشيخ معين تابعا لقائد معين.
منقول من مجموعة التاريخ والتراث الجهوي
إرسال تعليق