تاريخنا تاريخنا
random

آخر الأخبار

random
مقالات
جاري التحميل ...

مجلس الأعيان مؤسسة طواها النسيان بقلم محمد العاقل

مجلس الأعيان مؤسسة طواها النسيان


الكاتب: محمد العاقل 

بعدما ظنت فرنسا أنها أنهت المسألة المغربية، بادرت الإدارة الفرنسية إلى إرسال سفارة إلى فاس بقيادة وزيرها المفوض سان روني طاينديي (Saint René-Taillandier) إلى السلطان المولى عبد العزيز، وقد وصل الوفد إلى العاصمة في يوم 26 يناير 1905. وقد كان الهدف من هذه السفارة هو تقديم برنامج إصلاحي موسع للسلطان والضغط عليه لتوقيعه، وفي هذه الأجواء " كانت البلاد تعرف كما باقي البلدان العربية موجة صحوة وميل قوي لرجال السلطة إلى الاعتماد على الشعب والاستناد إلى الرأي العام ، وإشراك الأمة في إدارة شئونها وتعيين مصيرها ، وعندما حضر سفير الجمهورية الفرنسية سان روني طاياندي إلى عاصمة المملكة المغربية وقابل جلالة السلطان الأسبق مولاي عبد العزيز بفاس (1905) وعرض على جلالته مشروع الإصلاحات التي تريد الحكومة إدخالها في المغرب أعلنه رسميا مباشرة وبواسطة وزير خارجيته عبد الكريم بن سليمان أن الرأي الفاصل في هذا المشروع هو رأي الأمة وانه يعتبر نفسه فردا من أفرادها لا أقل ولا أكثر"( مجلة المغرب الجديد عدد 8 يناير 1936 " مجلس الأعيان ") وبذالك كان الرد على هذه الإصلاحات من اختصاص " مجلس الأعيان " فماهي هذه المؤسسة ؟ وما هو دورها في المغرب ؟ وما الأهداف التي كانت تسعى لتحقيقها ؟ .

لمعرفة ذلك يجب أن نعي الظروف التي كان عليها المغرب في هذه الفترة، فقد أدت انتفاضة بوحمارة وفشل المخزن في القضاء عليها إلى أزمة سياسية واجتماعية ومالية انعكست على الأوضاع العامة للبلاد، أضف إلى ذلك القروض الخارجية التي لجأ إليها المغرب خاصة من البنوك الفرنسية ، ما خلف سخط في الأوساط الشعبية " وتحدثت التقارير الأجنبية عن قلق المخزن وهيجان الشعب لانتشار أخبار بيع المغرب لفرنسا واتفاق القبائل المجاورة لتطوان على مواجهة أي تدخل أجنبي بالقوة وعلى إثر ذلك تم اختطاف إنجليزيين في 18 ماي 1904 بضواحي طنجة "( علال الخديمي المغرب في مواجهة التحديات الخارجية ص 20) وفي 20دجنبر 1904 بعث السلطان رسائل لمختلف القبائل والمدن تشرح خطورة الوضع وجهوده لحماية البلاد طالبا منهم أن يختاروا منهم من يثقون بهم " ويأتمنونهم على أمور دينهم وعرضهم ومالهم ويرتضونهم وكلاء عنهم وأن يرسلوا إلى فاس بقصد المفاوضة في علاج هذا الأمر المهم " وهكذا تم إختيار 40 عضو يمثل كل قبيلة أو مدينة عضوان، ما عادا القبائل الشرقية التي لم تستدعى نظرا للحالة السياسية التي كانت تعيشها،في حين كان الفاسيون هم المهيمنين على هذا المجلس ب 24 عضو من بين العلماء والقضاة والأعيان، وقد اقترح السلطان على السفير أن يحضر 15 شخصا للمفاوضات التي ستجري بينهما بالإضافة إلى رجال الحكومة المغربية وجلهم كانوا من العلماء المعتدليين " في حين ضم المجلس أشخاص " متطرفيين " كمحمد بن عبد الكبير الكتاني الذي رفض الإصلاحات الفرنسية جملة "( علال الخديمي ص 38). وفي هذا السياق يورد بعض الباحثين أن السفارة الألمانية تلقت دعوة لمناقشت هذه المشاريع وقد إعتبروه " إجراء حكيما ، وضربة معادية للفرنسيين "غير أن الرأي القائل بأن خطوات رفض الإقتراحات الفرنسية والدعوة للمؤتمر،هي خطوات أملاها الألمان على المخزن المغربي ، إن هذا الرأي متسرع وبعيد عن الحقيقة التاريخية بل يهدف إلى التقليل من شأن موقف المغاربة سواء على مستوى المخزن أو مجلس أعيان الشعب ففي البداية لم يكن لألمانيا دور في الصراع المغربي الفرنسي فإلي شهر يناير 1905 كانت ترفض الإستجابة لعروض المخزن ، ولم تبدأ في تصور عملها الدبلوماسي إلا بعد أن أصبح هذا الصراع واضحا للعيان " (علال الخديمي ص 36 ) وللمزيد حول هذه الجدلية يمكن مراجعة " P Guillen.L’Allemagne et le Maroc ". وقد كان أول لقاء للسلطان والسفير يوم 29 يناير 1905 تلته لقاءات كثيرة ، وقد أصر السلطان على طاياندي أن يشرح المشروع الفرنسي أمام مجلس الأعيان، وقد كانت هذه الإجتماعات تعقد بدار الصدر غريط ، والمنسق العام للمحادثات هو إدريس بن يعيش قائد المشور . ويبدوا من خلال هذا أن السلطان كان حريصا جدا على مراقبة المفاوضات وتتبعها " وقد بقي المشروع الفرنسي تحت الدرس من قبل السلطان والمخزن ومجلس الأعيان نحوا من خمسة أشهر ، وفي يوم 28 مايو 1905 قوبل السفير الفرنسي في القصر الملكي وكانت محادثته مع جلالة السلطان حول المشروع ، فصرح له جلالته بأن مصير المشروع مرتبط بقرار مجلس الأعيان.... وفي نفس اليوم إنعقد مجلس الأعيان للمرة الأخيرة فقرر قراره الفاصل : 1- بعدم قبول المشروع المقدم من السفير. 2- ووجوب رفض المخزن لكل مشروع إصلاحي تري مباشرته في البلاد دولة أجنبية كيفما كان، مالم يكن مصحوبا بضمانات صريحة من كافة الدول.3- ولزوم دعوة السلطان إلى عقد مؤتمر دولي لبحث الإصلاحات المناسبة، رغبة في الإستيناس بالرأي الدولي العام وضمان استقلال المملكة ووحدتها ضد المطامع الأجنبية، والاعتداءات الخارجية " (مجلة المغرب الجديد ص 31 وبخصوص النص الأصلي لهذا الجواب فقد تم نشره كما هو في نفس المجلة العدد 17 السنة الثانية 1936 )في حين أن السفير الفرنسي يذكر في مذكراته أنه كان على علم أن المشروع بيد مجلس الأعيان، حيث يقول أن الوزير بن سليمان صرح له بأن المحادثات التي تجري بين الطرفين المغربي والفرنسي ليس لها أية صبغة رسمية، وان مشروع الإتفاق الذي تنتهي إليه لا يصبح نهائيا إلا بعد مصادقة مجلس الأعيان وأن جلالته يعتبر نفسه كفرد من أفراد المجلس ( S.R.Taillendier. Les Origines du Maroc Français 1901-1906) وفي هذا السياق( قبول الإصلاحات أو رفضها) يقول الحجوي بأن الأمر عظيم خطير لا يكفي فيه رأي دولته، ولابد من مشاركة أمته تجنبا من تحمل المسؤولية وحده ( الحجوي الرحلة الوجدية ص 79 ) بيد أن التقارير الفرنسية وخاصة تقرير الوزير المفوض طاياندي تضع السلطان في موقف المستغل لهؤلاء المندوبين وأن المخزن أراد تبرير موقفه في قبول بعض المطالب أمام السلطان بإقتسام المسؤولية مع هؤلاء المندوبين ( نقلا عن الخديمي علال ص 37 ) وبذلك تكون الإصلاحات الفرنسية قد لقيت لها طريقا مسدودا في المغرب وذلك من خلال تعنت مجلس الأعيان و إحتماء السلطان بهذه المؤسسة بدعوى " أنه فرد من أفراد الأمة "، أضف إلى ذلك أن المغاربة فطنو لهذه الإصلاحات وخاصة المجالات التي ستقدم فيها فتبين لهم أن هذا المشروع ليس بإصلاح وإنما هو ضربة موجهة لإستقلال المغرب، وهذا ما كان المغاربة يرفضونه حكومة وشعبا وهذا نستنتجه من خلال ماقام به مجلس الأعيان من دراسة مفصلة للمشروع الفرنسي وطبيعة القرار التي خر ج به، فقد أكد على ضرورة تقديم ضمانات صريحة من كل الدول ما يوحي لنا بعدم ثقة المغاربة في الدول الأجنبية مهما كانت علاقتها بها، وهذا أمر عادي نظرا لما قامت به هذه الدول تجاه الوحدة المغربية وأيضا هذا الشرط كان من بين شروط مؤتمر مدريد القاضي بعدم إدخال أي إصلاح في المغرب إلا بموافقة الدول الموقعة على المؤتمر. فمجلس الأعيان إستغل هذا الشرط ليرد بذلك على فرنسا وهذا أيضا من باب إسكات الفرنسيين وعدم ممارستهم لضغط على السلطان كي يقبل بالمشروع . وبذلك يكون المغاربة عموما ومندوبي مجلس الأعيان خصوصا قد نجحوا في التنصل من مطالب الفرنسيين ومخططاتهم الرامية إلى ضرب وحدة البلاد، محتميين بشروط أروبية وضعتها الدول الإمبريالية نهاية القرن التاسع عشر والمتمثلة في مؤتمر مدريد مجسدين " انقلاب السحر على الساحر" حق تجسيد. ومنذ تلك الفترة والمغاربة يدركون الخطر الذي يحيط بهم، ما جعل فرنسا تلجأ إلى خلق ذريعة للتدخل العسكري في البلاد بعد فشل مخططها الدبلوماسي، وخاصة بعد دعوة المغاربة لخلع السلطان المغربي المولى عبد العزيز وبيعة أخيه المولى عبد الحفيظ بيعة مشروطة، من أهم شروطها عدم الاعتراف بمقررات الجزيرة الخضراء وتحرير البلاد من الفرنسيين .

عن الكاتب

mohammed

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

تاريخنا